مصادر كتاب سفر التكوين

لم يتردد مؤلفو الكتاب المقدس وهم يرون بداية العالم والبشرية أن يسقوا معلوماتهم بطريقة مباشرة او غير مباشرة من تقاليد الشرق الادنى القديم ولا سيما من تقاليد من بين النهرين ومصر والمنطقة الفينيقية الكنعانية

فالاكتشافات الأثرية منذ نحو قرن تدل على وجود كثير من الأمور المشتركة بين الصفحات الأولى من سفر التكوين وبين بعض النصوص الغنائية والحكمية والليترجية الخاصة بسومر وبابل وطيبة واوغاريت

ولا عجب في ذلك عند من يعلم أن البلاد التي أقام فيها اسرائيل كانت منفتحة على المؤثرات الخارجية وإلى جانب ذلك كان شعب الله في تاريخه على صلة بمختلف شعوب الشرق الأدنى

ولكن علم الآثار يدل أيضاً على أن المؤلفين الذين أعادوا النظر في الفصول الأولى من سفر التكوين وأضفوا عليها عليها اللمسات الأخيرة لم يكونوا مجرد مقلدين عميان بل أحسنوا إعادة معالجة المصادر المتوفرة بين أيديهم والتفكير فيها بالنسبة إلى التقاليد الخاصة بشعبهم فهم لم يكتفوا بالمحافظة على الايمان اليهوي بل أبرزوا أصالته

بديهي أن المقارنة بين نص الكتاب المقدس والروايات النتعلقة ببداية العالم أو بأبطال العصور القديمة لا تخلو من الفائدة في نظر قارئ الكتاب المقدس فهناك كثير من الشواهد عن الماضي الأدبي في الشرق الأدنى القديم نذكر منها الرواية البابلية عن خلق العالم عن يد الإله مردوك ومغامرات جلجامش البطل المحتوية على رواية بابلية عن الطوفان أو الأبراج الشامخة التي شادتها مدن ما بين النهرين إكراماً لآلهتها والتي تذكر برواية برج بابل

وضعت روايات الآباء في زمن يبعد كثيراً عن الأحداث إليها ومع ذلك تشهد على تأصلها العميق في البيئة التي عاش فيها أجداد اسرائيل ويمكن علماء الآثار بفضل آخر ما أكتشف في اوغاريت وماري أن يتحققوا في آن واحد من تعقد تقاليد الآباء وأندماجها في حضارة الالف الثاني قبل المسيح كما توصلنا اليوم إلى معرفتها

تذكرنا عادات ابراهيم وخلفه بعادات عشائر شبه البدو أصحاب الغنم والمعز المتنقلين على طول الهلال الخصيب

وهم يعيشون على صلة تامة أو جزئية بسكان حضريين تربطهم بهم علاقات تارة سليمة وتارة حربية والجماعات المختلفة التي تؤلفها عائلات الآباء والتي يخفى علينا ما بينها من علاقات تحضرت رويداً رويداً في أرض كنعان التي صارت أرض الخلف

لمن الصعب أن نكتب تاريخاً متتابعاً عن سيرة الآباء لا بسبب البعد الزمني الذي يفصلهم عن الوثائق المتعلقة بهم فحسب بل لأنهم بنوع خاص عاشوا مع جماعاتهم على هامش التاريخ السياسي أي التاريخ الرسمي

فتقاليدهم تعكس قبل كل شيء اهتمامات جوهرية كالتي تعود إلى كسب معيشة عائلاتهم في منطقة تهددها المجاعة أو إلى تأمين الأراضي الخصبة لماشيتهم وأخيراً لم يرو عن حياتهم إلا بعض الأحداث

فروايات سفر التكوين عن أجداد اسرائيل هي من أصل شعبي وعائلي وان كان فيها آثار ثقافة زمنهم وهي تعبر أيضاً عن ايمان الآباء بإله يسير معهم في تنقلاتهم الدائمة ويعدهم بما يحتاجون إليه

اعداد الشماس سمير كاكوز

تعليقات